الجمعة، 17 يوليو 2009

خالي إبراهيم..معلمي الأول

ما أكثر النماذج البشرية التي صادفها الإنسان في الحياة!
وذلك علي جميع المستويات ، وفي مختلف المجالات..ولكن القليل منها هو الذى لا تمحوه الذاكرة مهما طال الزمان.

(انظر المقدمة ، بعنوان "دوّر ع الناس")

صور لخالي إبراهيم من ألبوم الأبيض والأسود
ـــــــــــــــــــ

وفي مقدمة هذه النماذج ـ وفي محيط العائلة ، كان خالي إبراهيم أحمد مرسي أول شخصية تأثرت بها حياتي..

ــــــــــــــــــــــــــــــ

خالي إبراهيم..معلمي الأول
ــــــــــــــــــــ
* المثل الأعلي.. في الذوق والأخلاق ، والعطف والحنان
ـــــــــــــــــــ
هذا هو المنزل الذى كان يجمعنا وإياه في أجمل مراحل خياتنا..
(لقطة حديثة بالموبايل..وقد تدهور المبني بعد مغادرتنا له منذ الستينيات)
14 ش. المحتسب ، المتفرع من عرفان/ شياخة بوالينو والإسكندراني
* كان من حسن حظنا إقامته هو ووالدته ـ أى جدتنا المرحومة فاطمة درويش مصطفي أبو علفة ـ معنا في منزل واحد اشتركنا في بنائه ، لذا فقد كان موجودا في حياتنا منذ نعومة أظافرنا..
صورة نادرة لخالي إبراهيم في مرحلة الطفولة بجانب والده (لا تحتاج إلي تكبير)
ـــــــــــــــــ
مدخل مخبأ قريب الشبه بالمخابئ العمومية التي كنا نختبئ فيها أثناء الغارات الجوية
وأول المشاهد التي تعيها ذاكرتي له ـ رحمه الله ـ هو حمله لي عند انطلاق "زمارة الخطر" وصياح رجال الدفاع المدني "ظفي النور" ، إنذارا بحدوث غارة جوية من تلك الغارات التي كانت قوات المحور تشنها علينا ـ خلال الحرب العالمية الثانية بينما كانت تقترب من الأراضي المصرية ـ للإسراع مع العائلة إلي المخبأ القريب من المنزل ، والذى يصطف فيه الناس تحت الأرض علي ضوء خافت لمصابيح زرقاء.
ـــــــــــــــــــــ
مسرح عمليات معركة العلمين
* المشهد التالي هو اصطحابنا ـ بدون الوالد رحمه الله ـ للهجرة الكبرى إلي قرية شنوان محافظة ـ أو "مديرية" بلغة هذا العصر ـ المنوفية ، ضيوفا علي "الحاج نصر" الذى عرفناه عن طريق سكناه في منزلنا ، حيث استطعنا العثور علي مكان داخل إحدى عربات القطار قبل إغلاق أبوابها ونوافذها أمام الأعداد الغفيرة من الناس الراغبين في الفرار من الإسكندرية بعدما اشتد القصف الجوى ودمرت أحياء بأكملها ، مع اقتراب المعارك من حدود مصر الغربية ، ثم اجتياز هذه الحدود حتي مدينة العلمين.

ــــــــــــــــــ

عشش رأس البر قديما
* المشهد التالي هو تردده علي زيارتنا في المهجر بين يوم وآخر ، بعدما انتقل للعمل في رأس البر ، البعيدة عن أرض المعارك ، بينما واصل الوالد العمل في الإسكندرية حتي حاصره القصف في أثناء عودته من العمل ليلا ، فاضطر للحاق بنا في شنوان. بعض صفات خالي إبراهيم كما وضعتها قرين صوره بالألبوم العائلي

* ملك الأناقة والإيتيكيت..وعاشق مصر وأم كلثوم والسينما الأجنبية ، وقارئ الصحف والمجلات ، والمراقب الجيد للأحداث ، وشديد اشعور بالانتماء لوطنه وزعمائه إلي أبعد الحدود.
ــــــــــــــــــــــــــ
* لقد تعلمت منه كل ما يتعلق بأساليب الحياة..ابتداءا من طي المناديل ، إلي ربط الكرافتة.. ومن اقتناء وقراءة الصحف والمجلات ، إلي الاستماع والاستمتاع بأغاني أم كلثوم. كما تعلمت منه وتعرفت علي الصالات المكيفة في دور السينما ، ومحلات التنتريليه (التي تقوم بتنظيف الملابس بالبخار) ومحلات باتا ـ قبل التأميم ـ ودليس والترياتوه ، والكاسكيت والكوفية ، واستخدام كلمات الحضارة مثل "سعيدة" للتحية ، و"مرسيه merci" للشكر...إلخ.

ـــــــــــــــــــــــــ

* كان يتمتع بشخصية متعددة المواهب: فكما كان يمارس هواية الرسم بأقلام الفحم والألوان الخشبية ، كان يجيد فن الأركت ، وكان يقضي أوقات الفراغ في فترة الشباب ، في تكبير صور نجوم السينما في هوليوود ، بطريقة تقسيم الصورة إلي مربعات صغيرة ثم نقلها إلي مربعات كبيرة ، بالإضافة إلي عمل البراويز من الخشب الأبلاكاج بالمنشار الأركت...إلخ.
ــــــــــــــــــ

أحد أعداد مجلة "الإثنين والدنيا"

* نحتفظ لخالي إبراهيم ـ رحمه الله ـ بأجمل ذكريات العمر ، علي مدى سنوات الطفولة والصبا والشباب المبكر.. ومن هذه الذكريات ، اصطحابنا لحدائق النزهة يوم الإثنين من كل عدة أسابيع ، حيث ينقلنا عن بكرة أبينا بسيارة أجرة ذات مقاعد إضافية كانت تطوى وتفتح حسب الحاجة ، ومعنا مأكولاتنا ومشروباتنا ـ التي يتولي هو تدبيرها علي نفقته الخاصة ـ لقضاء يوم كامل سواء في حدائق النزهة أو علي أحد شواطئ البحر ، وكان يلحق بنا في المكان المقرر ، ومعه جريدة الأخبار اليومية ومجلة الإثنين والدنيا الأسبوعية ، والكاميرا المستعارة أحيانا لالتقاط بعض الصور لنا..

جدتنا المرحومة فاطمة درويش مصطفي أبو علفة
وهي تحمل "فيفي" ابنة خالي في شهورها الأولي ، وبجوارها "نادية" ابنة شقيقتي "نعيمة"

* كان رحمه الله بَرّاّ جداّ بوالدته ، شديد الاحترام لها ، ولم يفارقها أبدا في حياته ، سواء قبل أو بعد الزواج ، وكان ـ في مقابل ذلك ـ كل شئ في حياتها هي ، وكانت متعلقة بكل ما يحبه ، وخاصة: كوكب الشرق أم كلثوم ، وكانت كلما سمعت صوتها في الراديو تردد الدعاء التالي: ربنا يخليكي ويخلي اللي بيحبك.

* بعد الزواج أصبح شغله الشاغل هو أسرته وأولاده ، وكان يتفاني في تربيتهم ، ولا يدخر وسعا في سبيل سعادتهم ، وتوفير كافة مقومات الحياة علي أعلي مستوى ممكن ، سواء في المأكل أو الملبس أو الرعاية المتكاملة ، في نفس الوقت الذى لم يتخل عن مسئولياته المعتادة نحونا.

ــــــــــــــــــ

صورة إحدى رسائل خالي إبراهيم
(أرسلها لجدتي أثناء سفرنا إلي القاهرة لتقديم أوراقي إلي مكتب تنسيق الجامعات)
* كان ـ رحمه الله ـ بالنسبة لنا بمثابة رجل المهام الصعبة ، فكلما تطلب الأمر إلي إنسان لديه القدرة علي حل المشاكل ، بما لديه من لباقة وكياسة وخبرات اجتماعية وانتماء شديد للعائلة...إلخ ، كنا نتجه إلي خالي إبراهيم. ومن هنا كان وجوده ضروريا في دخول المدارس والجامعات ، وحل الخلافات الأسرية ، ومسائل الخطوبة والزواج والإنجاب واستقبال المواليد الجدد ، الذين كانوا سرعان ما يتعلقون به.. وعندما تطلب الأمر أن أسافر إلي القاهرة لآول مرة في حياتي ، للتقدم بالأوراق إلي مكتب تنسيق القبول بالجامعات ، كان هو الذى اصطحبني بكل ارتياح في هذه الرحلة ، ونزلنا ضيوفا علي ابن عمه المرحوم السيد أفندى العناني ، الذى كان يعمل بالتدريس ، اعتدنا علي رؤيته بصفة منتظمة كل إجازة صيفية ، وقضينا أسبوعا كاملا ، مما أتاح لي الفرصة لمشاهدة أهم معالم القاهرة ، وخاصة الأهرام ، والمتحف المصرى ، الذى تمت زيارته بناءً علي رغبتي ، وتُوجَت الزيارة باقتناء دليل المتحف ، الذى كان يحتوى علي كم كبير من الصفحات المصقولة المطبوع عليها معظم مقتنيات المتحف ، ويباع بجنيه مصرى واحد. وخلال هذه المدة التي تعتبر أطول مدة يقضيها خالي إبراهيم بعيدا عن والدته وزوجته ، قام بكتابة تلك الرسالة صبيحة اليوم التالي من الوصول للقاهرة ، والتي جاء بها بعد البسملة: الست المحترمة والدتنا العزيزة..تحياتنا إليكم جميعا وبعد..فقد وصلنا بسلامة الله في الموعد المحدد ووجدنا الجميع بخير...ونحن الآن الساعة الحادية عشر في طريقنا لتقديم الأوراق لعبد السلا م وإن شاء الله يتم كل شئ علي خير...
ـــــــــــــــــ

كان يحاول إدخال السعادة إلي نفوسنا والفرحة بالعيد

* ومن ذكرياتنا السعيدة مع خالي إبراهيم ، عودته إلي المنزل صباح يوم العيد ، بعد قضاء الليل بطوله في المحل ، لينئنا بالعيد بالأحضان والقبلات ..عملات هذا الزمان

ويعطينا العيدية من العملات المعدنية الثقيلة ، واستمرت هذه العادة حتي تخرجنا من الجامعة!
(للمزيد..اضغط هنـــا) ولم يأخذ حتي القليل

ــــــــــــــــــ
كانت الكلبة "لوسي" بهذا الشكل تقريبا
* وكما كان عطوفا علي الأطفال، كان عطوفا جدا علي الحيوان ، وكانت عندنا أثناء فترة المراهقة كلبة جميلة أطلق هو عليها اسم لوسي ، اقتبسه تقريبا من أحد الأفلام الأجنبية..وكم كانت هذه الكلبة متعلقة به وتنتظره علي رأس الشارع عندما يعود من السهرة ، لتقوم بتوصيله حتي باب الشقة ، حيث يقدم لها وجبة العشاء المعتادة.. (بقية الحكاية: انظر "عربية الكلاب")

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق