الشيخ رمضان الغَمْرِى ..أطال الله في عمره لـ"يغمرنا بالسعادة والرضا"* شاهدته لأول مرة منذ عامين ، عندما توجهت إلي هذا المكان لأول مرة ـ وهو ساحة مسجد التوبة خلف مدرسة الإقبال
القومية بمنطقة سيدى بشر الترام ـ وذلك لأداء صلاة التراويح ، وكان هو الذى يؤم المصلين ، فكانت الصلاة ذات مذاق خاص لم يسبق لي الشعور به من قبل ، فأصبحت عادة عندى أن أؤدى صلاة التراويح وراء هذا الشيخ في كل عام..وكلما بدأ شهر رمضان المبارك من كل عام ، انتابني شعور مزدوج ، يجمع بين الاشتياق لأداء صلاة التراويح في نفس المكان ، والقلق الشديد علي هذا الرجل خشية عدم رؤيته ..
الشيخ رمضان يجلس أمام المحراب في انتظار رفع أذان العشاء وأحمد الله سبحانه وتعالي أنني في كل مرة أتوجه إلي الساحة قبيل صلاة العشاء ، وأبدأ بالبحث عنه ، أشاهده جالسا أمام المحراب ، أو وهو يروح ويجئ بين المسجد والخيمة ، ويتفقد المكان ويطمئن علي محتوياته ، ويلقي التحية علي مريديه من مختلف الأعمار..فتعود السكينة إلي نفسي ، والطمأنينة إلي قلبي أن الرجل بخير وسلام وبصحة جيدة ، وأنه مازال معنا في هذه الأيام المباركة ، يمتعنا بأدائه الممتع لصلاة التراويح ، وتلاوته الرائعة لآى الذكر الحكيم ، بصوته الملائكي العذب الذى يتسلل إلي الوجدان مباشرة ، فيمنحك الإحساس الصادق بالخشوع طوال الصلاة ..
بالإضافة إلي الدرس الديني البسيط الذى يلقيه أثناء الاستراحة ، وهو نابع من القلب ومتوجه إلي القلب ، من خلال أسلوبه السهل الممتنع ، المدعم بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية ، والأبيات الشعرية المناسبة.
إحدى اللوحات الدينية التي تزدان بها جوانب الساحة
لوحة دينية أخرى تزدان بها جوانب الساحة* ومن عناصر التشويق التي يستخدمها في دروسه الدينية تلك الأشعار التي اشتهر بها كبار الشعراء ، من أمثال أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدة "نهج البردة" حيث قال:
تأبى العِصِيُ (أو: الرماحُ) إذا اجتمعن تكسّراًً... وإذا افــترقن تكــســّرت آحـــــاداً

صورة بالموبايل للساحة الملحقة بالمسجد من الداخل
* لقد تمكن هذا الرجل المخلص ، ورفاقه الطيبون من توسعة بيت من بيوت الله ، بمقدار أضعاف مساحته الأصلية ، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المصلين ، سواء خلال صلاة الجمعة من كل أسبوع ، أو صلاة القيام في شهر رمضان المعظم من كل عام.
تم تدبير
عدد 4 مراوح للسقف وتركيبها في وقت وجيز ، بمجرد شكوى البعض من حرارة الجو المرتفعة ، نظرا لمجئ رمضان هذا العام في عز الصيف (شهر أغسطس) ، وقد أثني علي الإخوة الذين قاموا بهذا العمل الذى يعتبر نوعا من تعمير مساجد الله ، ولكنه لزم التحفظ في الدعاء لهم حتي لا يحرمهم من الأجر المنتظر من الله سبحانه وتعالي.
* يعتبر الشيخ رمضان واحدا من دعاة الإسلام المجتهدين ، وهو يؤدى رسالته من
خلال دروس يوم الإثنين من كل أسبوع داخل هذا المسجد ، لتعليم قواعد التلاوة ، وذلك في الفترة ما بين صلاتي المغرب والعشاء خلال فصل الصيف ، وعقب صلاة العشاء في فصل الشتاء..بالإضافة إلي الدروس القصيرة البسيطة في فترات الاستراحة أثناء صلاة التراويح في شهر رمضان المعظم. ــــــــــــــــــــ
أفضل الصلاة وأزكي
التسليم: :«إذا أَمَّ أحدكم الناس فليخفف» [رواه مسلم ، علي نحو ماجاء في زاد المعاد لابن القيم رحمه الله] ، وقول أنس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام" ، وما جاء في حديث عثمان بن أبي العاص إذ قال له النبي صلى اللّه عليه و سلم: ( اقتد بأضعفهم) و في الحديث الآخر: (فإن وراءه الضعيف و الكبير) ، فالمقصود أن يراعي الضعفاء من جهة تخفيف القراءة و الركوع و السجود. وفي نفس الوقت فإن الشيخ رمضان يتأني في تلاوته للقرآن الكريم ، ويقرأ كل آية علي حدة ، ويعطي كل حرف حقه ، مما يتيح للمصلين التدبر في معاني القرآن وتعلم أحكام التلاوة أثناء الصلاة خلفه..
* يؤدى الشيخ صلاة التراويح ثماني ركعات والشفع والوتر، كما صلاها الرسول صلى الله عليه وسلم إماماً بالمسلمين يومين أو ثلاثة أيام حين شرعت في رمضان ، ثم صلاها في بيته بقية الشهر. وعملا بقول عائشة رضي اللّه عنها:(ما كان يزيد النبي صلى اللّه عليه و سلم في رمضان و لا في غيره على إحدى عشرة ركعة). ــــــــــــــــــ
* تعتبر الصلاة خلف الشيخ رمضان الغمرى متعة كبيرة للمصلين ، لما وهبه الله من عذوبة رائعة في الصوت ، وتمكن من قواعد التلاوة ، وقدرة علي تطويع نبرات الصوت مع معاني القرآن الكريم.ومن أجمل ما استمتعنا به سواء خلال التلاوة أو التفسير سورة يوسف ، حيث كنا نتمني ألا تنتهي صلاة التراويح خلفه.
* من أجمل الأشياء التي تلفت الأنظار قيام الشيخ بحمد الله عقب انتهاء صلاة التراويح كل ليلة ، فإن أول ما ينطق به عقب التسليم في ركعة الوتر هو قوله "الحمد لله"..قال تعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} (يونس: 10)
* وتتضمن الدروس الدينية التي يقدمها الشيخ رمضان خلال فترات الاستراحة التي تتوسط صلاة التراويح ، الاحتفال بالمناسبات التاريخية الهامة ، وأهمها ذكرى انتصار المسلمين في غزوة بدر الكبرى ، التي وقعت يوم 17 من رمضان للعام الثاني للهجرة ، حيث استعرض فضيلته الظروف والملابسات والدوافع التي أحاطت بالمعركة ، بعدما أذن الله للمسلمين بالقتال ، علي نحو ما جاء بالقرآن الكريم:
* تخصيص أحد الدروس الدينية للإجابة عن تساؤلات البعض عن قيمة زكاة الفطر ، بعدما انتصف الشهر بعدة أيام دون أن تعلن دار الإفتاء القيمة الحالية للزكاة كما جرت العادة في كل عام ، فقام فضيلته بتبسيط الأمر وإرجاعه إلي أصله ، معلنا أن قيمة زكاة الفطر ثابتة منذ فرضها في العام الثاني للهجرة ، وهي عبارة عن صاع من تمر أو صاع من شعير على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين، وذلك علي نحو ما جاء بالحديث الشريف الذى رواه مسلم عن نافع عن ابن عمر.ويمكن إخراجها عينية من المحصول السائد في الإقليم ، أو نقدية حسب أسعار السوق.(للمزيد عن زكاة الفطر)..موضوع ذو صلة: شيخ الازهر: 4 جنيهات الحد الادنى لزكاة الفطر مراعاة للظروف الاقتصادية الراهنة * وبمناسبة الاحتفال بليلة القدر في ليلة 27 من الشهر الفضيل ، قام
الشيخ بإمامة المصلين في صلاة التسابيح ، بعد أن خصّص درس اليوم لشرح حكمها ومدى
مشروعيتها وكيفية أدائها ..وخلال الصلاة كان يذكّر المصلين بالمطلوب في كل حركة من خلال مكبر الصوت ..وبالرغم من قيامي بأداء هذه الصلاة أكثر من مرة من قبل ، سواء في المسجد أو في البيت ، إلا أن الصلاة هذه المرة خلف الشيخ رمضان كانت ذات مذاق مختلف.
هذا الكتاب عن صلاة التسابيحــــــــــــــــــــ
سواء خلال التلاوة
القرآنية أثناء الصلاة ، أو خلال الحديث الديني..فقد آثر أن يقرأ آيات الصيام في صلاة العشاء الأخيرة ـ أو في التراويح الأخيرة من رمضان كما حدث في العام التالي.(اليفرة: 183/185) ، وفي صلاة القيام كانت التلاوة لما تيسر من سورة الإسراء ، من الآية الأولي: { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ } إلي الآية رقم 30: { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً }..أما الحديث الديني الخاص بالليلة الأخيرة ، فقد بدأه بالعبارة المؤثرة التالية: لقد مضي رمضان ، ورَبِح من رَبِح ، وخَسِر من خَسِر.. وأشار إلي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: ( للصائم فرحتان : فرحةٌ عند فطره , وفرحةٌ عند لقاءِ ربّه ) ، وقوله: (إن في الجنة باباً يقال له الريّان، يدخل منه الصائمون..) ، وقوله: (إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرُها من باطنِها وباطنُها من ظاهرِها فقام أعرابي فقال يا رسول الله لمن هي قال لمن طيّب الكلام وأطْعَم الطعام وأدامَ الصيام وصلّى بالليلِِ والناسُ نيام)..ثم بدأ في شرح المقصود بكل عبارة من هذه العبارات ، وتطرق إلي كيفية توجيه النصح للآخرين ، فألمح إلي قول الإمام الشافعي: (تَغَمَّدَني بنُصْحِــكَ فــي انفـــِرادِي... وجَنِّبْنِــي النصيحــةَ فِــي الجَمَاعةْ...فـإنَّ النُّصْــحَ بَيـْـن النــاسِ نـــوعٌ... مــن التـَّوْبيخ لا أَرْضَى اســتِمَـاعَه).. وهكذا.
* وفي العام التالي كان محور الحديث الديني حول فضل القرآن الكريم ، وصيام ستة أيام من شوال ، وأكد علي ضرورة قضاء الأيام الفائتة قبلها.
الحاج حسن قطبـــــــــــ { قَآًلَ تَعَآلَىَ : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } ـــــــــــ
* مع استقبال شهر الصوم لعام 1432 هـ. وعندما اقتربت من الخيمة التي اعتدت أداء صلاة التراويح فيها خلف الشيخ علي مدى عدة سنوات ، فوجئت به يسبقني في الدخول وهو يتوكأ علي عصا في يده اليسرى ، بينما يمسك أحدهم بيده اليمني ، فتوجست شيئا ، فلحقت به وهو يتوجه للصف الأخير حيث مقاعد المتقدمين في السن ، الذين سارعوا بالوقوف للسلام عليه ، وعندما شاهدني بادلني الأحضان والقبلات ولكنه قال "معلهش مش ح اقدر أصلي بيكم"
{ قَآًلَ تَعَآلَىَ : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }
* لقد بدا شاحبا ضعيفا ، وقد ظهر عليه الإعياء بدرجة كبيرة ، مما ترك في نفسي أثرا سيئا للغاية ، فرحت أدعو له بالشفاء خلال الصلاة ، وتلوت أثناء أول ركعة أؤديها قوله سبحانه وتعالي في سورة الشعرآء "الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ" (80)
* لقد كان يجلس في الصف الخلفي بينما كنا نؤدى صلاة العشاء والقيام التي تبادل الإمامة خلالها ثلاثة أشخاص ، دون أن نشعر بذلك المذاق الخاص لهذه الصلاة خلف شيخنا الجليل.
* وعندما جاء وقت الاستراحة بعد الأربع ركعات االأولي ، إذا يه يتقدم الصفوف ليلقي حديثا قصيرا وهو واقف علي قدميه ، بينما كان صوته في غاية الضعف والإنهاك ، بدأه بآيات الصيام من سورة البقرة ـ تلك الآيات التي عودنا علي البدء بها في الركعة الأولي في ليلة استقبال الشهر الكريم ، ثم ترديدها كثيرا علي مدى الليالي التالية ـ ثم خطبة رسول الله صلي الله عليه وسلم في آخر شعبان ، والتي تحدث فيها عن شهر رمضان، بدءاً من قوله " أيها الناس إنه أقبل عليكم شهر رمضان بالبركة والرحمة والمغفرة" إلي آخر الخطبة.(بقية الخطبة)
(وهو على كل شئ قدير)
* لا بأس عليك يا شيخنا ، وسلامتك من كل مكروه..شفاك الله وعافاك ، ونتعشم أن تعود لتؤمنا في الصلاة بأدائك الجميل وصوتك العذب الذى ينساب في عروقنا كما ينساب الماء العذب في الصحراء القاحلة.























